الفن التشكيلي من رسم ونحت وتصميم وعمارة - جزء من ثقافة الناس وممارساتهم اليومية . فإنه يشكل عنصر إتصال هام كما يشكل جزء من البيئة التي يعيش فيها الإنسان- واعتبر المجتمع أن الفن هو ثقافة عليا تخص المترفين وأنه أحد عناصر اللهو والبذخ وبذلك نظر إليه عامة الناس على أنه موهبة لها إعجازاتها واختلف الناس في نظرتهم اليوم للفن المعاصر مع تداخل الثقافات في العالم . انعكس كل ذلك على الطلبة الوافدين إلى الجامعات العربية - لحثهم وتأهيلهم لممارسة هذه المهارات الضرورية لدراستهم وأعمالهم وحياتهم في المستقبل من خلال منهجية خاصة تؤدي بالضرورة للتثقيف والممارسة واستعمال أدوات التكنولوجية الحديثة ومفاهيم الفن الحديثة .
المقدمة : ضرورة الفن
الفن تعبير عميق عما هو مخزون داخل القلوب البشرية من انفعالات وأحاسيس ذات رسالة معينة موجهة من قبل الفنان إلى الجماهير عبر العصور والأزمنة ، فالفنان يعتبر رسالته استمرارآ لما سبق من رسالات يؤكدها أو يجددها لأنه يعيش من روحها ، فمن ثقافته وإدراكاته يسجل خلال هذه الرسالة القضايا التي يعيشها كالحدث أو الرؤيا .
من هذا المنطلق نرى الفن ضرورة حياتية ذات ترتيب أساسي بين الأولويات في سبيل تحقيق النضال الفكري والثقافي للشعوب المهيأة لحياة أفضل .
إن الفن تعبير ومفردات لغته نماذج فراغية من نسيج مجاله المحيط من الخارج وأجواؤه النافذة بمناخاته إلى الداخل . وحتى يكون الفن تعبيرآ مشاركآ فبتحتم عليه أن يكمل البناء البيئي ويضيف إليه عناصر جديدة تطوره وتنميه .
الفن هو ثمار رغبة قوية في الإنسان ملحة عليه ، وعشق للعمل الفني متواصل فهو تعبير بقصد الإثارة ، متأثرآ بثقافة صاحبه وتجربته، والفن مرتبط بطريقة الآلة أو ألألات - لذلك فهو صنعة وإتقان .
إن كلمة "فن" مع اتساعها وشموليتها ، ولغويآ تدل على الصنعة والمهارة والإتقان في إنتاج الأشياء وفي أدائها .
فالفنان هو الصانع الماهر والفني هو الصنائعي الماهر ويجمع بينهما المهارة .
تصنيف الفنون
إن دائرة الفن تتسع لتشمل صناعة الكلام والكتابة والموسيقى والغناء والرقص والمسرح وكل أداء فني ورسم ونحت وعمارة وتنسيق وتخطيط للحدائق والمدن والأقاليم . ومن الصعب تعدادها وتصنيفها عشوائيآولابد من الرجوع إلى نظام معين لذلك .
وحسب إعتقادي - كمعماري- فإن الأسلوب الأسهل والأدق هو الرجوع إلى مصادر الفن التشكيلي الحديث ابتداء من ظهور نظرية النسبية وتأثيرها على الحركة التكعيبية بإدخال عامل الزمن كعنصر فراغي إذ أصبح الزمن هو البعد الرابع للفراغ وعلى اعتبار الفنون هي تمثيل وترجمة لهذا الفراغ . فإن الفنون هي تعابير فراغية للمحيط الإنساني وأبعادها من أبعاده . فالموسيقى لها بعد حقيقي هو الزمن ، والرسم له بعد حقيقي هو السطح ، والتحت له الحجم ، أما العمارة والمدن فلها الأبعاد الحقيقية ( الطول والعرض والإرتفاع والزمن ) .
ويمكن تقسيم وتلخيص ما تقدم إلى قسمين :
1. فنون تعبيرية - الموسيقى والدراما .
2. فنون التصميم ( الفن التشكيلي ) - الرسم ، النحت ، الديكور والعمارة .
التصميم الفني والثقافة الفنية
إن التصميم " Design" هو معالجة الأشكال في البيئة التي يعيش فيها الإنسان والتي تدعى "The Built Environment " أي البيئة المبنية وبكلام آخر البيئة "المصممة".
فالتصميم هو فن الشكل الوظيفي . فكل تصميم له وظيفة وكل وظيفة لها علم وأصول ، وعليه فلكل نوع من تصاميم الوظائف النفعية له أصول وجذور وفروع وأسرار علمية وتكنولوجية . لذلك فالتصميم ليس فنآ فقط بل فن وعلم . وإذا ما اجتمع الفن والعلم في موضوع واحد أصبح " ثقافة " . فالتصميم هو ثقافة : وكل ثقافة يجب تعميمها . إننا لا نستطيع تعميم العلم والمعرفة ولكن نستطيع أن نعمم الثقافة وننشرها .
يضم التصميم كل أوجه النشاط التي تشمل جميع نواحي الحياة الحديثة ... فالتحول في مفهوم التصميم من الإسم إلى الفعل قد أثر في طريقة تفكيرنا كليى ويعني ذلك بصفة خاصة أنه قد حدث تحول كبير لتركيز الإنتباه في أنواع كثيرة معينة من التصميم ، إلى الفاعلية في التصميم ذاته .
فالتصميم في الوقت الحاضر قد اعتبر بصفة عامة كنظام انساني أساسي وكأحد الأسس الفنية لحضارتنا .
فعملية التصميم هي عملية إنتاج وليست هي النتاج في حد ذاته . فتصميم اللوحة ليس هو اللوحة أو شكل اللوحة وإنما هو إخراج اللوحة إلى حيز الوجود الحسي والبصري ... فالنظر هو تدريب عقلي ( ذهني ) وليس تدريب على حاسة النظر ، مع هذا الكلام يتفق المهندس ربيع الحرستاني في عملية الرسم فيقول :
" إن الرسم يتطلب قدرآ من الذكاء ، وأكثر بكثير مما يتطلب من مهارة يدوية ، إذ أن الرسم في حد ذاته هو تصميم بحت ، ولكن ليس التصميم هو وحده النهاية ".
دور المؤسسات في تعميق الثقافة الفنية
من خلال ما تقدم نجد أن هناك صعوبات مسبقة في التثقيف والتعليم الفني في مجتمعاتنا وجامعاتنا .
ومن هذا المنظور استطعنا أن نصمد ونسير في مسيرتنا التعليمية كأن شيئآ لم يكن وذلك إدراكآ منا أننا نستلم طلابآ ليس لهم خبرة في الفن لا في المدارس الإبتدائية ولا في السنوات السابقة ، فقد ارتأينا أن يكون التدريس من الصفر على قاعدة أن الفن تعبير عما يجول في النفس من ردود فعل للمؤثرات الفراغية والعوامل الإدراكية حيث يؤدي إلى إفصاح فراغي جميل يكون على صورة خامة من خامات الفراغ أو أكثر.
وإقناع الطلبة بأن العمل الفني يشارك فيه الروح والجسد ككل في كل متكامل .
والإستعانة بالأساليب الحديثة من تكنولوجيا ووسائل مساعدة تسهل العمل الفني ولا تعرقل انتاجه كاستعمال البروجكتر في التكبير أو الكمبيوتر في التصميم .
وإقناع الطلبة أن العمل الفني هو الفكرة في حد ذاتها الناجمة عن إدراكات الفنان وتشجيع الطلبة على استعمال الأساليب والوسائل المتوفرة في تحقيق العمل واقناعهم بالتواضع ، ذلك أن التعبير الفني ليس إعجازآ وبإمكان الجميع أن يكشفوا أسلوبآ يستطيع كل منهم من خلاله أن يفلح في إحدى محاولاته الإبداعية في تحقيق الغاية في الحصول على عمل عمل يكون قريبآ من المستوى الفني .
كما أن وعينا المتواضع وعلمنا السابق وتكاتفنا مع زملائنا في تكوين فريق واحد متحد يتحدى الصعوبات الإقتصادية ، وذلك بتبني المقولة إذا أردت أن تطاع فاطلب المستطاع وبالإبتعاد عن إرهاق الطالب أو الجامعة بطلبات كثيرة ويكون ذلك بالإعتماد على الموارد والمواد المحلية المتوفرة .
وإدراكآ منا للتحليل السيكولوجي للادراك الفراغي واعتماده على أن البيئة تختلف من مكان إلى آخر فتؤثر بدورها على بديهية ومنطق الادراك الفراغي وتبعآ لذلك يكون أسلوب التعبير . مما جعلنا نتفهم أساليب الطلبة في التعبير مع اختلاف مساقط رؤوسهم واختلاف نمط معيشتهم .
وإدراكآ منا أن التعبير هو حتمية مصيرية للثقافة الفنية - جعلنا نعتمد على تثقيف الطلبة وتكثيف ذلك في المراحل الأولى من التدريس بإعطائهم محاضرات وإعطائهم الفرصة في المشاركة في مواضيع أهمها تعريف الفن ووظيفته ، الجمال والفن ، فن الأطفال ، تاريخ الفن ومقارنة تطوره بتطور الإدراكات السيكولوجية في مراحل النمو لدى الأفراد ، ارتباط الفن بالمجتمع ، المدارس والمذاهب الفنية وأسباب نشوئها .
وانطلاقآ من طبيعة وخصائص الفن الإسلامي وارتباطه بالتجريد من ناحية وارتباطه بالادراكات الفراغية والثقافة الفلسفية التي تقوده كان لنا الفن الإسلامي منهجآ فنيآ انطلقنا منه لنفهم ونفسر الحركات الفنية الحديثة وخاصة فيما يتعلق بالتعبير والتحليل والجريد والإختزال والتجريد المطلق والتصوف .
الخلاصة
وخلاصـــة لما سبق فإننا نجزم أن النشــــاط الفني هو نشاط عقلي ( فكري ) وليس دراية ومراس آلي تقوم به العضلات ، وإن هذا النشاط يعتمد على الإدراكات وعليه يجب تنمية وتهذيب الإدراكات الإنسانية في الدرجة الأولى حتى يصبح لنا مقدرة ذهنية في وظيفة الأداء .
فالنشاط الفني هو نشاط فكري وعليه ان كل هذا النشاط يصدر عن فكر فني فإن الفكرة هي جوهر العمل الفني ويمكن تحقيقها عن طريق ذاتي مباشرة كما يفعل الفنانون أو عن طريق الرسامين كما يفعل المهندسون أو عن طريق الكمبيوتر كما يفعل الكثير من الناس في الوقت الحاضر .
إذا كان صاحب العقل الإنساني يمتلك الرغبة الفنية فإنه يستطيع أن يوصل قكرته إلى الآخرين بأي أسلوب يجده مناسب في تلك اللحظة أو الفترة الزمنية وحسب الظروف والإمكانات والحاجات والإحتياجات الكائنة ، وتكون لدى الفنان القدرة في تفجير الطاقات الكامنة لتحقيق هذه الرسالة